تأثير طبيعة نظام الحوكمة على الأداء التنموي للأقطار العربية

الملخص:

 

تعد طريقة ممارسة الحكم وأسلوب إدارة الشأن العام من أقوى الطروحات التي جاءت بها النظرية المؤسساتية الجديدة، وذلك بأنها أعطت تفسيرا للتباينات الحاصلة في مستويات الأداء التنموي للأقطار، وتعتبر تلك التباينات إحدى إشكالات المجتمعات العربية. فهل من الممكن أن يتطابق محتوى النظرية المؤسساتية الجديدة في هذا الشأن مع نتائج بحث تأثير طبيعة نظام الحوكمة على الأداء التنموي للبلدان العربية؟ إننا، ومن خلال هذا المقال، نود أن نسلط الضوء على إحدى أكثر الإشكاليات تعقيدا في تلك الأقطار، وذلك من خلال إجراء تحليل قياسي لمؤشرات إدارة الشأن العام، بما يسمح من إظهار الدور الذي تلعبه هذه الأخيرة على درجة الأداء التنموي لمجموعة من الأقطار العربية.

Abstract:

The art of government and how to manage public affairs is one of the solid approaches that have been presented in the new institutional theory; it explains the gaps in levels of economic development of nations. Quired gaps consider one of the major problems existing development in Arab countries. In this respect, is it-that can be achieved consistent results between what recommends the approach known as institutional and those resulting from research of the impact of mode of governance on economic performance of the Arab countries? Nousvoulons at Through this article, introduce a clarification on one of the most complex issues in these countries, by adopting an econometric analysis that addresses the effect of mode of governance on the degree of development performance of a group of Arab countries.

Résumé :

L’art de gouverner et la manière à gérer les affaires publiques est l’une des approches solides qui ont été présenté dans la nouvelle théorie institutionnelle, par ce qu’elle explique les écarts qui existent dans les niveaux de développement économique des nations. Des écarts qui se considèrent comme l’une des grandes problématiques en vigueur de développement des pays arabes. A cet égard, est-ce-que on peut atteindre des résultats compatibles entre ce que recommande l’approche dite institutionnelle et ceux qui résultent de la recherche de l’impact de mode de gouvernance sur la performance économique des pays arabe ?  Nous voulons, à travers cet article, introduire un éclaircissement sur l’une des problématiques les plus complexes dans ces pays, en adoptant une analyse économétrique qui traite l’effet du mode de gouvernance sur le degré de performance de développement d’un groupe de pays arabes.

 

المقدمة:

ظلت نظرية التنمية تبحث في محددات و مصادر النمو الاقتصادي، و قد اعتمدت الكثير من الدول النامية برامج إنمائية من إملاءات المؤسسات الدولية و ذات صلة بتلك النظرية، حيث تبرزفي هذا الشأن استراتيجية التنمية لـ(Rostow, 1960)، إلا أن تباينا قد حصل في النتائج المحققة من قبل هذه الأقطار. و قد أدى البحث، مطلع التسعينات من القرن الماضي، في أسباب هذه النتائج، إلى الحديث عن الاختلافات في أساليب إدارة الموارد العامة.

وفي هذا الإطار تُرجع النظرية المؤسساتية الجديدة (Acemoglu ;2009) تخلُف هذه الجهود إلى دور ونوعية المؤسسات، حيث أن نوعية المحيط المؤسساتي يؤثر بشكل أساسي في نوعية التوافقات بين الأفراد، وما بين المؤسسـات والمنظمات. وقبل ذلك حاولت بعض الدراسات التجريبية((Mauro, 1995)  و (Barro, 1996) و(Kauffman et al., 1999, 2004, 2005, 2006 and 2010) بحث العلاقة بين درجة التنمية ونوعية المؤسسات من خلال إعداد مجموعة من المؤشرات التي من شأنها التعبير عن نوعية نظام الحوكمة لـ 196 دولة. أما في الأقطار العربية فقد كان الاهتمام بالموضوعمن قبل العديد الدراسات، حيث نسجل الدراسة التي قام بها ( العبد، 2004) و التي حاول من خلالها توضيح عوامل و آثار النمو الاقتصادي و التنمية في الفساد و الحكم الصالح في البلدان العربية، كما أن هناك دراسة لـ (توفيق،2005 ) و التي قدم فيها تحليلا لمبادرة إفريقيا نيباد بشأن العلاقة بين الحكم الرشيد و التنمية في إفريقيا.

ونظرا لتعقيد عملية التنمية فلا يمكن تفسير نتائج الجهود المبذولة في بلد ما بربطها بمتغير معين، إلا أن نوعية المحيط المؤسساتي المحدد لظروف النشاط الاقتصادي والاجتماعي، يفسر بنسبة كبيرة بطبيعة الأداء الحكومي للبلد المعني في إرساء نظام حوكمة رشيد. والمطلع على الدراسات التي قُدمت في موضوع مشاكل التنمية بالدول العربية لهذه الفترة يلاحظ التأكيد على الأبعاد السياسية لتقييم دور الدولة. ولذلك يأتي هذا البحث كمحاولة لتفسير التفاوت الحاصل في نتائج برامج التنمية التي اعتمدتها الأقطار العربية، بغض النظر عن عامل الاختلافات الواضحة في مواردها الاقتصادية، والذي يعتبر خارج الاهتمام في هذا العمل. وعليه فمن أجل دراسة العلاقة بين طبيعة نظام الحوكمة وأداء الاقتصاديات العربية. فإن التساؤل المطروح هو: ما طبيعة الأثر الذي يحدثه نظام الحوكمة على اختلافات مستويات الأداء التنموي للأقطار العربية؟

 

للإجابة على هذا السؤال سوف نتناول هذه الدراسة في أربعة عناصر، نقدم في العنصرين الأولين الخلفية النظرية لكل من نظام الحوكمة والتنمية الاقتصادية من حيث تقديم المفاهيم، الأبعاد، المؤشرات و كذلك العلاقة بينهما. أما الثالث فنقدم من خلاله تحليل للبيانات الخاصة بمتغيرات الدراسة والخاصة بـ14   قطر عربي للفترة 2011-1996، و التي تم تحميلها من الموقع الالكتروني للبنك العالميThe world development indicators. ونحاول في الجزء الرابع تقديم نموذج قياسي يوضح طبيعة العلاقة بين متغيرة فعالية الحكومة ومتغيرة التنمية الاقتصادية محاولين في ذلك مناقشة و تحليل النتائج المتوصل إليها.

1-الحكم الراشد و محدداته:

1-1- تعريف:

تعددت تعاريف الحكم الراشد باختلاف وتعدد الجهات التي أصدرتها، إلا أن مضمونها يصب في جوهر واحد. فالبنك العالمي، وفي تقريره الصادر سنة 1992 تحت عنوان ” الحوكمة و التنمية “،عرَف الحكم الراشد La bonne gouvernance على أنه: ” الطريقة التي تمارَس بها السلطة في تسيير الموارد الإقتصادية و الاجتماعية الوطنية الموجهة للتنمية “. أما الأمم المتحدة، فإنها تُعرف الحكم الراشد، حسب تقريرها السنوي الصادر سنة 1993، على أنه:” طريقة تشاركية للحكم ولتسيير الشؤون العامة، ترتكز على تعبئة الفاعلين السياسيين، الاقتصاديين والاجتماعيين للقطاعين العام و الخاص، وكذا المجتمع المدني بهدف ضمان الرفاهية المستدامة لكل المواطنين”.

و بدوره فقد ساهم “Goran Hyden” بتقديم المزيد من التوضيح لمصطلح الحوكمة، حيث  أكد على أن هذه الأخيرة تتمثل في الإدارة الواعية لهياكل النظام مع نظرة تعزيز شرعية الشأن العام (Public realm). حيث يتم التركيز على القواعد كما هي موضحة في هياكل النظام وكيفية إدارتها، ركزت هذه النظرة على الإطار المؤسساتي الذي يتم فيه صنع القرارات والسياسات العامة، و هو ما ذهب إليه Hermut Elsenhans عندما أكد على أن الحكم الراشد هو فن إدارة التفاعل بين ثلاثة آليات: السوق، الدولة، والمجتمع المدني.

يتضح مما سبق بانه يمكننا تعريف الحكم الراشد على أنه الطريقة التي من شأنها تمكين مختلف الفاعلين في المجتمع (المؤسسات institutions) من ممارسة أدوارهم الأساسية، و هذا من خلال تسيير الموارد الاقتصادية و الاجتماعية بصفة تشاركية من أجل تحقيق أهداف التنمية. فترقية الحكم الراشد تعد اعترافا ضمنيا بدور الدولة ومؤسساتها في التنمية الاقتصادية.

-2- محددات الحكم الراشد:

إن المتفحص لتقرير البنك العالمي يجد بأن البنك يفّرق بوضوح بين البعد السياسي والبعد الاقتصادي لمفهوم الحوكمة، وباعتبار البنك يهتم بترقية التنمية المستدامة فإنه يهتم فقط بما يسهم به الحكم الراشد في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، و بالخصوص الهدف الأساسي المتمثل في تخفيض، وبصفة مستمرة، نسبة الفقر في العالم.

أما في التقرير السنوي لسنة 1994 الموسوم بعنوان “الحكم الراشد: تجربة البنك العالمي” فإن التقدم المحقق بشأن نظام الحوكمة يمكن تلخيصه في المحاور الآتية:

 

– تسيير القطاع العمومي: إن الحديث عن تسيير القطاع العمومي يعتبر في الأساس تقنيا، فهو يسمح بـ:

– تغيير الهيكل التنظيمي لمصلحة ما في قطاع ما، أخذا بعين الاعتبار أهداف جديدة.

– تسيير الميزانية بشكل أفضل.

– سن أهداف الوظيفة العامة.

– إخضاع مديري المؤسسات العمومية لعقود النجاعة.

– المسؤولية : أي أن الحكومات وموظفيها يخضعون للمحاسبة عند أداء مهامهم.

– الإطار القانوني للتنمية: يتعلق الأمر هنا بضرورة وضع أنظمة تشريعية ملائمة تضمن الاستقرار وتمكن من التنبؤ، وهي عناصر ضرورية لخلق محيط اقتصادي تتمكن فيه المؤسسات من تقدير المخاطر المحتملة بطريقة عقلانية.

– الشفافية و الإعلام: إن التطرق إلى موضوع الحكم الراشد يتطلب الوقوف على موضوع الشفافية والإعلام، باعتبارها تدعم المسؤولية، حيث أن الو صول إلى المعلومة من قبل مختلف الفاعلين في السوق يعتبر ضروريا في الاقتصاد التنافسي.

إن جوهر الاختلاف الحاصل بشأن إعطاء تعريف موحد لنظام الحكم الراشد من قبل المنظمات الدولية يكمن في اختلاف نظرتها إلى الأبعاد والمحاور المشكلة لهذا المفهوم. فعلى خلاف البنك الدولي، تهتم المنظمة الإنمائية الدولية مثلا بأبعاد أخرى قانونية مثل سيادة القانون ومسألة المشاركة، بينما يهتم البنك الإفريقي للتنمية بالإضافة إلى ذلك ببعد قانوني آخر والمتمثل في محاربة الرشوة.

ما يمكن أن نخلص إليه بشأن أبعاد نظام الحكم الراشد، هو أنها لا تقتصر على البعدين السياسي والاقتصادي وفق ما جاء به البنك العالمي، وإنما تتعداه إلى بعد آخر وهو البعد القانوني، والذي نرى أنه ورد ضمنيا في محور الإطار القانوني للتنمية.

3- مؤشرات الحكم الراشد:

يقترحKauffman في هذا الصدد ستة مؤشرات لقياس الحكم الراشد في قطرما، تخص أبعاده المختلفة، حيث أن كل مؤشر يأخذ قيمة ما بين (2.5-) و (+2.5) تسمح بوصف نوعية الخدمات التي تقدمها الدولة في مجال معين بصفة إجمالية، وتشمل هذه المجالات نطاق تدخل الدولة أو ما سميناه بأبعاد الحوكمة والمتمثلة في:

3-1- البعد السياسي: يمكن التعبير عنه من خلال مؤشري التمثيل و المشاركة وكذا الإستقرار السياسي وغياب العنف، وهما مؤشران يرتبطان ببعضهما ويعزز كلاهما الآخر، من منطلق أن تمثيلا سياسيا حقيقيا ناتجا عن انتخابات شفافة ونزيهة يدعم الاستقرار السياسي ويدفع العنف، وهي عوامل ضرورية لتعزيز الديمقراطية وحرية التعبير ومن ثم المساءلة.. و يتم قياس البعد السياسي من  خلال مؤشرين هما :

3-1-1- المساءلة Voice and Accountability: هذا المؤشر يعبر عن مدى قدرة المواطنين على المشاركة في انتخاب ممثليهم وحجب الثقة عنهم، فضلا عن حرية التعبير و حرية الإعلام، تشكيل الجمعيات والأحزاب …الخ.

3-1-2 الاستقرار السياسي وغياب العنفPolitical stability and absence of Violence  : يعبر هذا المؤشر عن احتمالات ظهور صراعات سياسية أو طائفية، تهدف إلى الإطاحة بالحكومات بطرق غير دستورية أو بالاستناد إلى العنف و الإرهاب من اجل الاستيلاء الحكم بالقوة.

3-2  البعد الاقتصادي : يمكن التعبير عن هذا البعد من خلال مؤشري فعالية الحكومة ونوعية التنظيم، وهما يرتبطان بشكل أساسي بعمل الحكومة وقدرتها على تنفيذ برامجها وسياساتها والتزامها بوعودها، وكذا توفير  الخدمات للمواطنين بأكثر فعالية وجودة. ويتم قياس البعد الاقتصاد من خلال مؤشرين هما:

3-2-1: فعالية الحكومةGovernment Effectiveness : يسمح هذا المؤشر بقياس جودة الخدمــات العمومية، الخدمات المدنية وكذا درجة استقلاليتها عن الضغوط السياسية، كما يعتبر عن مدى مصداقية تعهدات الحكومات تجاه السياسات التي تم صياغتها وتنفيذها.

3-2-2-نوعية التنظيم :regulatory quality يسمح هذا المؤشر بقياس قدرة الحكومات على صياغة و تنفيذ سياسات سليمة و تطبيق أطر تنظيمية تسمح بترقية و تنمية القطاع الخاص.

3-3- البعد القانوني: هذا البعد يمكن التعبير عنه من خلال مؤشري سيـــــــادة القانون و محاربة الفساد، و هما مؤشران يرتبطان ببعضهما البعض، من منطلق أن تطبيق القانون المتعلق بمكافحة الفساد على جميع مكونات المجتمع، بغض النظر عن مناصبهم أو مكانتهم، من شأنه ردع المفسدين و تقليص حجم الفساد في هذا المجتمع. و باالإضافة الى ذلك فهو يعبر عن احتــرامالمواطنين وكذا وضعية الهيئات التي تحكم العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية بينهم، كما أنه يعبر عن استقلالية القضاء و أمن المستثمرين. و يتم قياس هذا البعد هو الآخر من خلال مؤشرين اثنين هما:

3-3-1- سيادة القانونRule of low:يسمح هذا المؤشر بقياس مدى ثقة المتعاملين و المواطنين في الالتزام بالقواعد القانونية للمجتمع، من حيث نوعية تنفيذ العقود، حقوق الملكية، المحاكم، الشرطة… الخ، فهو يسمح بالتأكد من حيادية القوانين و كذا من مدى تقيد و التزام المواطنين أو إلزامهم بها.

3-3-1-مراقبة الرشوة Control of corruption : يسمح هذا المؤشر مثل ما تمت الإشارة إليه بقياس مدى أو إمكانية استعمال السلطة العمومية للمصلحة الشخصية، بما في ذلك كل أشكال الدفع الإضافي لأعوان الدولة من قبل رجال الأعمال.

 

تحميل المقال