إشكالية التحليل الأسلوبي:
تعدّ دراسة النصّ الأدبي عامة والنصّ الشعريّ خاصّة، دراسة أسلوبية إجرائية محورا يسترعي اهتمام الباحثين تبعا لما يحتاج إليه المنهج الأسلوبي من ضوابط منهجية وآليات تحليل يحتكم إليها الباحث في تشريح النصوص الشعرية تشريحا أسلوبيا ، لذلك فبين الإغراءات التي يمارسها المنهج على متعاطيه ، وبين اعتياص الممارسة التطبيقية الأسلوبية في مضاميره تعترض سبيل الخائضين في إشكالاته المعرفية والمنهجية مضائق جمّة والتي نعني بها صعوبة إضفاء الصبغة العلمية الوصفية على النصوص الأدبية ، حيث ينسجم واقع الخطاب الشعريّ مع طاقات التطوّع النقدي الأدبي الإجرائيّ وفق تحليل ذري للخطاب الأدبي غير مجزأ يهدف كل مشروع رؤية إلى الكشف عن السمات الأسلوبية التي يتفرّد بها نصّ شعريّ عن نصّ آخر ، فلطالما بقي البحث الأسلوبي التطبيقي معتّما وغامضا في إجراءاته التطبيقية بالنسبة للدارسين الباحثين في تخصصات الماستر والدكتوراه بعد المعايشة الميدانية للتّأزّم في الموضوع .
يُعدُّ المنهج الأسلوبي البنيوي الذي يمثله Michael riffaterre رائد الأسلوبية الأسلوبية السياقية ، أقرب منهج لتحليل النصوص الشعرية تحليلا ذريا -حسب اطلاعنا على مجال الدرس الأسلوبي -، وتفكيك بناها التركيبية والإيقاعية تفكيكا أسلوبيا بنيويا جماليا انطلاقا من مبدأ شمولي دون فصل شكل النص عن مضمونه ، يتمّ ذلك ويُسعى به إلى التحقّق دون إهمال أي جزئية منه عملا بالمبدأ الأسلوبي القائل: لا عارض في النص مادامت الإجراءات الأسلوبية تواتر عبر النص الشعري ، تتموضع فيه تموضعا يستوجب التمحيص والتكشيف عن سياقاته الأسلوبية من حيث رصد تفكيكها وقطعها وتحديد تعاراضاتها السياقية ، إذ تتحدد الكسور السياقية الأسلوبية بناء على أساليب غير مـألوفة تتصادم مع أساليب مألوفة من مثل الأساليب التالية: التكرار / النحت/ التضاد/ الاستعارة أو الانزياح بأنواعه: المعجمي والدلالي والايقاعي والتركيبي/ التناص/ الرمز … تستقصى تضافرات النص الأدبي الأسلوبية المتراكمة السمات فتشتغل فيما بينها أسلوبيا مشكلة إركامات أسلوبية تحمل جميعها إجراءات أسلوبية تستثير وعي المتلقي المتمرس على الذوق الجمالي ، يكون ذلك التكشيف المَقُول به انطلاقا من القيمة الأسلوبية للوحدة اللغوية الصغرى وتموقعها في الجملة ، أو البيت الشعري وصولا إلى التأثيرات الأسلوبية المتعددة المتعاضدة في النص الشعري كلا متكاملا.
لا شك في أن التجربة الشعرية الجزائرية متجسدة في مدوّنات شعر الثّورة الجزائريّة نالت حظوظها كاملة من الملاحظات المنهجية الأسلوبية التي سقناها آنفا فالتجربة بسرمديتها التاريخية التي لا تبلى ولا تتزعزع ستظل مثورة كمون النص الشعريّ الثوريّ ، فهو دائم التولّد تولد فلسفة هذه الثورة في وعي الإنسانية جمعاء ، لذلك فإن جمالية شعر الثورة الجزائرية جديرة بحكم الوعيين وعي التاريخ ووعي المعرفة بأن تفتكّ أحقية الاهتمام الدرسي والبحثي بها ، لعل مشروع تداولها المسطر في الندوة الدولية : البنى الأسلوبيّة في مدوّنات شعر الثّورة الجزائريّة يستطيع أن يبرز بعض جوانبها الإبداعية الخفية .
تلتقي الثورية مع الجمالية في قمّة الإبداع الإنساني من حيث نزوعهما معا إلى التمرّد على الراهن المعطّل والبحث عن البديل الجديد ، ومثلما نُعتت الأسلوبية في الآراء النقدية الأدبية على أنها نقد أدبي ظريف بمعنى الجمالية المخلوطة بالعلمية والموضوعية معا، فإنّ الممارسة النقدية خلال هذا المنهج تقف عند حدود جماليات القول الشعريّ لا تبتغي غاية سواه ، لذلك فإننا ، واستجابة لهذا المنحى الجمالي ، نرى أن شعرية الثورة الجزائرية قمينة بالبحث والمكاشفة ، وقد أتى تسطير مخبر نظرية اللغة الوظيفية في جامعة الشلف الجزائر لندوة :البنى الأسلوبية في مدوّنات شعر الثّورة الجزائريّة بناء على الحاجة الماسة إلى تبسيط آليات تحليل المنهج الأسلوبي الذي يشكل هاجسا كبيرا على جلّ الباحثين من حيث يستعصى عليهم تناوله وتطبيقه على النصوص الأدبية ، سيما في ظل انعدام منهجية أسلوبية علمية تتبع و تقتفى وكل ما هو متداول في التحليل الأسلوبي من خلال البحوث المطروحة يزيغ إلا قليلا منها عن جوهر هذا المنهج العلمي ويشكُل تطبيقه فيقع الباحث في خلط منهجي تتداخل فيه التحاليل البلاغية والصوتية معا.
يتطلب التحليل الأسلوبي كيفيات وطرائق تحليلية للبنيات النصية تحليلا أسلوبيا ، فالأسلوبية بنيوية بطبيعة مادتها وفق رأي المنظرين الأسلوبيين الغربيين ، تستقى تلك الطرائق من علمي اللسانيات والبلاغة وتصيّر إلى آليات أسلوبية بعلميتها ووصفيتها للبنى النصية تتحقق بها غايات جمالية تأثيرية.
تسعى ندوة البنى الأسلوبية في مدوّنات شعر الثورة الجزائريّة إلى استثمار آليات التحليل الأسلوبي في استظهار مزايا شعر الثورة الجزائرية المتجاوبة مع الجانب الإنساني ، لعلنا بذلك ننزل القول الشعري الثّوري المنزلة الوظيفيّة التي احتملها مناجزا بين القول والفعل فما أحوج الوعي النقدي الأدبي أن يتعامل مع هذه المرتكزات الواقعية ، وما أحوج طلبة الماستر والدكتوراه في اللغة والأدب العربيين بجامعة الشلف وبالجامعات الجزائرية في الاختصاص إلى أن يختبروا أعوادهم في التمرس بتعاطي الممارسة النقدية الأسلوبية التطبيقية معزّزة بكل مستتبعاتها الإجرائية ، لعلهم بذلك التمرّن الإجرائي والتمرّس المعرفيّ يقوون على الوقوف عن كثب على مظاهر التناغم بين الجمالية والثورية ، فلطالما قارب الباحثون إشكال ثنائية الثورة والإبداع الأدبيّ دون التوصل إلى إعطائها حقّها من التطبيق النّقدي حسب تقديرنا.
أهداف النّدوة:
تحاول نّدوة البنى الأسلوبية في مدوّنات شعر الثّورة الجزائريّة تحقيق الأهداف التالية :
– استظهار مزايا الشعر المتغنّي بهذه الثّورة المجيدة باستثمار آليات تحليل المنهج الأسلوبي.
– ترسيخ خطوات منهجية في تحليل النصوص الشّعرية تحليلا أسلوبيا يتبعها الباحث وينتهج سبيلها.
– تمحيص التحليل الأسلوبي وعدم خلطه مع الإجراءات التحليلية الأخرى .
– الأخذ بيد الطالب الباحث لإتقان مستوى من النضج النقدي الأدبي الذي يخول له ممارسة آليات وسبل التحليل الأسلوبي للنصوص الشعرية ممارسة أسلوبية فعلية.
– تشجيع الطلبة الباحثين (ماستر ودكتوراه) على تسجيل بحوثهم في جماليات أدب الثورة الجزائرية.
– الاستجابة إلى ملء الفراغ الملموس لدى طلبة الجامعة الجزائرية في الاختصاص في ميدان الدرس الأسلوبي التطبيقي .
– ربط البحث والدرس الجامعيين بالواقع المعيش بواسطة بما يعني تكريس الممارسة الأدبية الواعية للمعطيات والمستثمرة للواقع.
– تشجيع الطلبة الباحثين على اقتحام عرصات الممارسة النقدية الوظيفية الأسلوبية.
– حث الباحثين على إثراء البديل البلاغي والسعي إلى ترسيخ إجراءاته في ثقافة الاختصاص في الجامعة الجزائرية .
– تعزيز التكوين في الدكتوراه للطلبة الباحثين المنتمين لمخبر نظرية اللغة الوظيفية في التخصصات التالية من خلال مشاركة الطلبة ببحوث في الندوة الدولية في التخصصات التالية :
• طلبة دكتوراه العلوم نظام: كلاسيك على اختلاف تخصصاتهم ومراحل تسجيلهم من داخل جامعة الشلف وخارجها.
• طلبة السنة الثانية دكتوراه تخصص: الدراسات البلاغية والأسلوبية
• طلبة السنة الثانية دكتوراه تخصص: اللسانيات الحاسوبية
• طلبة السنة الثانية دكتوراه تخصص: الدراسات النّحوية
• طلبة السنة الثانية دكتوراه تخصص: اللسانيات الجزائرية
طلبة السنة الأولى دكتوراه تخصص: الأدب الجزائري وقضاياه النقدية.
إطلع على مقالات العدد السادس